وسط انشغالنا بالتقرير الذي صدر عن سلامة المياه المعبأه في زجاجات والمعروضة للبيع في الأسواق ، والذي أثار لغطا لم يتوقف الى الآن ، لم ننتبه الى أن في مصر قطاعات عريضة من البشر تتابع بدهشة ما تنشره وسائل الإعلام حول الموضوع ، وتنظر الى المعلقين والمتحاورين وكأنهم كائنات غريبة تعيش في كوكب آخر ، ولابد أنهم استغربوا أن يتجادل الناس حول مطابقة المياه المعبأه في زجاجات للمواصفات بينما هو فقدوا الأمل في أن يروا مثل هذه المياه المعيبة في بيوتهم ، بعدما أصبحوا لا يجدون في متناولهم سوى مياه كريهة الرائحة في المدن ، وأخرى مخلوطة بالمجاري في القرى!
لأنني واحد ممن اشتركوا في حوارات " البندر " فقد شعرت بالخجل من نفسي حين تلقيت رسالة تشرح مظاهر الكارثة التي يعيشها شعب مصر الأخرى الذي كتب عليهم أن يتجرعوا الجراثيم كل يوم مع مياه الشرب ، حتى أصبح الفشل الكلوي متوطنا بينهم ، شأنه في ذلك شأن ما كانت عليه البلهارسيا والانكلستوما يوما ما .
الرسالة جاءتني من المنوفية ، التي قال كاتبها إنها تضم أعلى نسبة بين مرضى الفشل الكلوي في مصر وتحدث عن حالة خزانات المياه المقامة فوق أسطح المنازل ، والتي ملأها الصدأ وعشش فيها التلوث وماتت فيها بعض القطط والطيور التى تعاني من الظمأ ، ثم تحللت فيها بمضي الوقت ، وبسبب إهمال الصيانة فإن المياه تغير لونها وفاحت منها رائحة كريهة ، حيث إن أي واحد لو وضع قطعة من القطن الأبيض تحت حنفية للمياة ، سوف يفاجأ بأن لونها أصبح أسود خلال دقائق معدودة ، وليست هذه حال بناية أو عدة بنايات ولكنها ظاهرة عامة في المنوفية ، التي قال أحد محافظيها يوما ما إن المياه فيها لا تصلح للإستهلاك الآدمي
المشكلة في القرى أفدح وأعقد بكثير ، ذلك أن كارثة حلت بمياه الترع التى اعتاد الفلاحون أن يشربوا منها ، حين كانت من النقاء بحيث يرى المارة قاع الترعة وهم على اليابس وقبل أن يسود لونها ليصبح بلون القار ، فقد اعتاد الفلاحون ري زراعاتهم من مياه الترعة ، ولكن تلك المياه أصبحت مختلطة الآن بالمجاري ، وتلك كارثة لها قصة خلاصتها أنه بسبب عدم وجود شبكة للمجاري في القرى ، فإن الفلاحين أصبحوا يعتمدون على جرارات الكسح لنقل مياه المجاري الى أقرب مصرف ، ولكن أصحاب هذه الجرارات في سعيهم لتحقيق ربح أكبر يستسهلون إلقاء حمولتها في الترع التي هي أقرب الى البيوت وفي غيبة أي رقابة من المجالس المحلية ومجالس القرى وأحيانا التواطؤ فإن هذه الجرارات أصبحت تتحرك بحرية طوال الوقت بين البيوت والترع ، لتلقي فيها بتلك السموم.
يفترض أن المجلس المحلي في القرية هوالمسئول عن العملية ، وهناك عدة جرارات وضعت تحت تصرفه لهذا الغرض ، والمار بجوار مقر أي مجلس لابد أن تقع عيناه على تلك الجرارات المصطفة الى جانبه.
ومن الناحية الرسمية ، فإن الفلاح الذي يريد التخلص من المجاري أن يسجل اسمه لحجز أحد جرارات الكسح ليأخذ دوره ، لكن الواقع غير ذلك ، لأن الدور لا يأتي بهذه الطريقة إلا اذا كان مقدم الطلب له واسطة تحقق له مراده ، وفي غير هذه الحالة فإن الفلاح عليه أن "يرتب أمره" من خلال دفع المعلوم الى موظفي الى موظفي المجلس أو أن يحل مشكلته من خلال التجار الذين يملكون تلك الجرارات ويشغلونها في القرى بالإتفاق مع الموظفين المحليين ، وعندما تحول الأمر الى تجارة تحقق أرباحا فإن الجرارات أصبحت تختصر المسافة والوقت وتلقي بحمولتها في الترع طوال الوقت لتحقق أكبر دخل ممكن في أقل وقت
هذه المياه المحملة بالسموم أصبحت هي التي تروي المحاصيل والخضروات التي تباع في الأسواق ، ومن ثم توزع السموم والأمراض على المستهلكين ، ليس ذلك فحسب وإنما أثرت بتلك السموم على التربة وأضعفت من عافيتها وإنتاجيتها .
ذكرت الرسالة أن أحد محافظي المنوفية كان في زيارة لإحدى القرى ومعه كبار المسئولين في المحافظة . وأثناء مرور الموكب بجوار إحدى الترع وقع نظر المحافظ على منظر جرار للكسح وهو يؤدي عمله المعتاد بين البيوت والترعة ، فأوقف موكبه وطلب من أحد مرافقيه أن يأخذ الجرار ويسلمه الى مقر المحافظة ، وهو ما تم في حينه ، ولكن بعد وقت قصير توسط مسئولو الحزب الوطني للإفراج عن الجرار المصادر ، وتم لهم ما أرادوا ، وعاد الجرار ليعمل على ذات " الخط " وكأن شيئا لم يكن كي لا تتأثر عملية توزيع السموم على الناس
لأنني واحد ممن اشتركوا في حوارات " البندر " فقد شعرت بالخجل من نفسي حين تلقيت رسالة تشرح مظاهر الكارثة التي يعيشها شعب مصر الأخرى الذي كتب عليهم أن يتجرعوا الجراثيم كل يوم مع مياه الشرب ، حتى أصبح الفشل الكلوي متوطنا بينهم ، شأنه في ذلك شأن ما كانت عليه البلهارسيا والانكلستوما يوما ما .
الرسالة جاءتني من المنوفية ، التي قال كاتبها إنها تضم أعلى نسبة بين مرضى الفشل الكلوي في مصر وتحدث عن حالة خزانات المياه المقامة فوق أسطح المنازل ، والتي ملأها الصدأ وعشش فيها التلوث وماتت فيها بعض القطط والطيور التى تعاني من الظمأ ، ثم تحللت فيها بمضي الوقت ، وبسبب إهمال الصيانة فإن المياه تغير لونها وفاحت منها رائحة كريهة ، حيث إن أي واحد لو وضع قطعة من القطن الأبيض تحت حنفية للمياة ، سوف يفاجأ بأن لونها أصبح أسود خلال دقائق معدودة ، وليست هذه حال بناية أو عدة بنايات ولكنها ظاهرة عامة في المنوفية ، التي قال أحد محافظيها يوما ما إن المياه فيها لا تصلح للإستهلاك الآدمي
المشكلة في القرى أفدح وأعقد بكثير ، ذلك أن كارثة حلت بمياه الترع التى اعتاد الفلاحون أن يشربوا منها ، حين كانت من النقاء بحيث يرى المارة قاع الترعة وهم على اليابس وقبل أن يسود لونها ليصبح بلون القار ، فقد اعتاد الفلاحون ري زراعاتهم من مياه الترعة ، ولكن تلك المياه أصبحت مختلطة الآن بالمجاري ، وتلك كارثة لها قصة خلاصتها أنه بسبب عدم وجود شبكة للمجاري في القرى ، فإن الفلاحين أصبحوا يعتمدون على جرارات الكسح لنقل مياه المجاري الى أقرب مصرف ، ولكن أصحاب هذه الجرارات في سعيهم لتحقيق ربح أكبر يستسهلون إلقاء حمولتها في الترع التي هي أقرب الى البيوت وفي غيبة أي رقابة من المجالس المحلية ومجالس القرى وأحيانا التواطؤ فإن هذه الجرارات أصبحت تتحرك بحرية طوال الوقت بين البيوت والترع ، لتلقي فيها بتلك السموم.
يفترض أن المجلس المحلي في القرية هوالمسئول عن العملية ، وهناك عدة جرارات وضعت تحت تصرفه لهذا الغرض ، والمار بجوار مقر أي مجلس لابد أن تقع عيناه على تلك الجرارات المصطفة الى جانبه.
ومن الناحية الرسمية ، فإن الفلاح الذي يريد التخلص من المجاري أن يسجل اسمه لحجز أحد جرارات الكسح ليأخذ دوره ، لكن الواقع غير ذلك ، لأن الدور لا يأتي بهذه الطريقة إلا اذا كان مقدم الطلب له واسطة تحقق له مراده ، وفي غير هذه الحالة فإن الفلاح عليه أن "يرتب أمره" من خلال دفع المعلوم الى موظفي الى موظفي المجلس أو أن يحل مشكلته من خلال التجار الذين يملكون تلك الجرارات ويشغلونها في القرى بالإتفاق مع الموظفين المحليين ، وعندما تحول الأمر الى تجارة تحقق أرباحا فإن الجرارات أصبحت تختصر المسافة والوقت وتلقي بحمولتها في الترع طوال الوقت لتحقق أكبر دخل ممكن في أقل وقت
هذه المياه المحملة بالسموم أصبحت هي التي تروي المحاصيل والخضروات التي تباع في الأسواق ، ومن ثم توزع السموم والأمراض على المستهلكين ، ليس ذلك فحسب وإنما أثرت بتلك السموم على التربة وأضعفت من عافيتها وإنتاجيتها .
ذكرت الرسالة أن أحد محافظي المنوفية كان في زيارة لإحدى القرى ومعه كبار المسئولين في المحافظة . وأثناء مرور الموكب بجوار إحدى الترع وقع نظر المحافظ على منظر جرار للكسح وهو يؤدي عمله المعتاد بين البيوت والترعة ، فأوقف موكبه وطلب من أحد مرافقيه أن يأخذ الجرار ويسلمه الى مقر المحافظة ، وهو ما تم في حينه ، ولكن بعد وقت قصير توسط مسئولو الحزب الوطني للإفراج عن الجرار المصادر ، وتم لهم ما أرادوا ، وعاد الجرار ليعمل على ذات " الخط " وكأن شيئا لم يكن كي لا تتأثر عملية توزيع السموم على الناس
فهمي هويدي..حصريا على مدونتي
1 التعليقات:
٥ أبريل ٢٠٠٨ في ١٢:١١ ص
حلوة حصريا دى !!!!
إرسال تعليق