إنها هيلاري يا ذكي..فهمي هويدي ..الدستور..15/1/2008


يبدو أن ذلك يمكن أن يحدث في أمريكا وحدها ، أن يعرف الناس حقيقة الدور الذي تقوم به السيدة الأولى في التأثير على قرارات الرئيس ..فيما يخص السياسة الداخلية والخارجية .صدر في واشنطن كتاب بعنوان " بيل وهيلاري كلينتون في البيت الأبيض " رصد بدقة ذلك الدور ، بمناسبة ترشح السيدة هيلاري لتولي رئاسة الجمهورية ، ومحاولة إقناعها الرأي العام الأمريكي بأنها أثناء رئاسة زوجها كانت شريكه في اتخاذ القرارات وصنع السياسات ، الأمر الذي وفر لها خبرة تتفوق بها على غيرها ، وتعزز ترشيحها لتولي المنصب الذي تطمح اليه .
مؤلفة الكتاب الذي صدر قبل أيام اسمها "سالي ببديل سميث" وقد نشرت لها مجلة "نيوزويك" مقالة حول موضوعه ، ذكرت فيه أن هيلاري كانت أول زوجة رئيس أمريكي تحظى بمكتب خاص بها في جناح الرئيس بالبيت الأبيض ، ورغم أنه لم يكن لها منصب رسمي ومهمات محدده الا انها كانت تشارك في صنع القرارات ، حتى كان البعض يصفها بالمحكمة العليا ، لأن كلينتون كان يرجع اليها في نهاية المطاف في أغلب القرارات التي يتخذها .
كانت هيلاري تستسيغ دور اليد الخفية والقوية ، فتصدر التوجيهات للعاملين بالبيت الأبيض ، ولم يكن معروفا ما اذا كانت تتصرف بوحي من ارادتها ام نيابة عن زوجها ، والجميع كانوا يهابونها ، بمن في ذلك كلينتون نفسه ، وقد أ دى امتعاضها من العاملين في مكتب سفريات القصر الرئاسي الى إنهاء عقودهم بشكل مفاجئ عام 93 .. وأمام المدعي المستقل نفت أن لها دورا في طردهم ، ولكن توفرت أدلة دامغة في وقت لاحق على أنها كانت وراء العملية فضلا عن ذلك أشرفت هيلاري على توظيف العاملين في البيت الابيض ، كما حثت زوجها على منح نصف المناصب العليا للنساء ..وبشكل خاص أصرت على تعيين امرأه في منصب المدعي العام ، وكان لها ما أرادت ، وأصرت على تعيين صديقتها (ومستشارتها في حملتها الراهنة ) مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية وتمت الاستجابة لطلبها كما هو معلوم .
شاركت السيدة الأولى أيضا في استعراض المرشحين للمناصب الفيدرالية كما كانت تقابل المرشحين لتولى مناصب في مجلس الوزراء ومناصب كبار المستشارين في الدولة ، وأكثر مهمة قامت بها في العلن كانت قيادة مشروع لإصلاح نظام الرعاية الصحية في عامي 93 و 94 ، وقدمت لأجل ذلك مشروعا ، لم يلق قبولا كافيا من مؤسسات الرعاية القائمة ، وحين قبل الرئيس كلينتون في لقاء عام خطة وسطا لا تستجيب لكل متطلبات مشروع السيدة الأولى ، فإنها اتصلت به هاتفيا على الفور وصرخت - وفق ما يقوله أحد المستشارين الذي كان حاضرا في مكتبها – قائلة : ما هذا الذي تقوله أريد رؤيتك حالما تعود ، وفي صباح اليوم التالي فإن الرئيس لم يسحب تصريحه فحسب ، وإنما قدم اعتذاراته أيضا.
واضح من المقالة أن دور هيلاري في الشئون الداخلية كان أكبر ، ولكنها كانت تتدخل في الشئون الخارجية أيضا ، وحين سئلت في هذه النقطة قالت بسرعة إنها أبدت آراء في بعض تلك القضايا ، وقال كلينتون إنها حثته في عام 94 على إرسال قوات قوات أمريكية لوقف المجازر في رواندا ، لكنه لم يفعل ، وهو لا يزال نادما على ذلك ، لكن موقفها كان واضحا في اقناع الرئيس الامريكي في وقت لاحق بقصف المواقع الصربية لإيقاف العدوان على البوسنة ، بعدما أقنعها أحد المسئولين في وزارة الخارجية بأن المجازر هناك تتزايد ، وان البلقان يكاد يتحول الى فيتنام جديدة ، وان التدخل العسكري الامريكي لحسم الصراع يمكن ان يكون ورقة مهمة لصالح الرئيس كلينتون في ترشحه لولاية ثانية عام 96 ، وقد تم ذلك التدخل بالفعل ، وكثفت واشنطن من الضربات الجوية ضد الأهداف العسكرية الصربية ومن ضغوطها الديبلوماسية التى أدت الى وقف إطلاق النار وانقسام البوسنة .
على ندرته فإن مثل ذلك التدخل إذا كان حاصلا في النظام السياسي الأمريكي ، الذي تتمتع مؤسساته بقوة تسمح لها بألا تبقى على أحد بعيدا عن المساءلة أو فوقها ، فلك أن تتصور الوضع في أنظمة أخرى تعددت فيها مراكز القوى ببيتها الأبيض ، وأصيبت مؤسساتها بالإغماء والعجز طوال الوقت؟!

0 التعليقات: